اللويحق: الليبراليون يتحدثون عن مجتمع يعيش في جزر الواق واق



حاوره - غازي كشميم
الجمعة 05/04/2013
اللويحق: الليبراليون يتحدثون عن مجتمع يعيش في جزر الواق واق
لم يمانع من نقد العلماء والمشايخ الذين يخطئون في قضايا عامة تهم الناس ويتبين خطأهم لكنه أيضاً انتقد من ينتقدهم لمجرد التشكيك خاصة من غير المتخصصين. لم يفلت الليبراليون من نقده فقد وصفهم بأنهم يصورون مجتمعنا وكأنه مجتمع جزر الواق واق، هذه القضايا وغيرها من القضايا الفكرية والشرعية تناولناها مع ضيفنا أستاذ الشريعة المشاركة بجامعة الطائف د.جميل اللويحق في ثنايا الحوار التالي: 

كثرت طلبات الاستفتاء من قبل الناس حتى تصل لحد الوسوسة لدى البعض أو الاستفتاء في أمور قد تكون معلومة ومشهورة، ألا يدل ذلك على ضحالة الثقافة والمعرفة الإسلامية رغم الضخ المعرفي في التعليم العام؟
هذا صحيح إلى حد ما, وإن كان للأمر جانب آخر وهو سهولة الوصول لأهل العلم وسؤالهم، وهو مايغري بالأسئلة، وخصوصا عبر وسائل الاتصال, ومن أكثرها تأثراً في هذا السياق برامج الإفتاء الفضائية المباشرة, وهذه الحالة تعكس في جزء منها أيضا قدراً من الاتكالية العلمية فبعض القضايا التي يسأل عنها يمكن تحصيل جوابها بأيسر قدر من المراجعة لبعض الكتب المعروفة القريبة، وربما كانت هذه المسألة من البدهيات . ومع كل هذا فأنا أرى الجانب الإيجابي في هذه الظاهرة وهو الرغبة في إلتزام أحكام الشريعة هو الجانب الأبرز .

الاختلاف في الفقه وفي الآراء وفي طرائق التفكير، منهم من ينظر إليه على أنه رحمة وتوسيع للناس، ومنهم من ينظر إليه على أنه مجلبة للصراع والاختلاف، ما موقفكم من التعددية الفكرية؟
الاختلاف في أصله حقيقة واقعية في حياة البشر جميعا, حيث فطروا على الاختلاف في قوة الإدراك وزاوية النظر والفهم، وفي شريعتنا وقع الخلاف مبكرا في زمن النبوة وكان الوحي يجلي الصواب فيه على الدوام، ووجد في عهد الخلفاء الراشدين والعصر الأول دون إنكار منهم لأصل حدوثه ولكنه كان محكوما بمنهجية واضحة ترتكز إلى وجود الدليل وصحته وفهم مدلوله ووجود المعارض له، ولم يكن خلافا عبثيا لا يعتمد على أصول, وقد ألف العلماء ولازالوا في فقه الخلاف وبينوا السائغ منه من غير السائغ, واستمر وجود الخلاف إلى يومنا هذا وسيبقى، وهو بهذا المفهوم يتضمن تيسيرا وسعة يقبلها الإسلام ويحترمها دون أن تكون مقصودة ابتداء, وحين ينحرف الأمر كما حدث تأريخيا في بعض المراحل إلى التعصب واحتكار الصواب يصبح خطرا ووبالا، ويحدث هذا بسبب جهل الناس وعدم فهمهم وليس بسبب وجود الخلاف ذاته .
وأما مصطلح التعددية الفكرية فيحتاج إلى تفكيك وتحليل, والأصل أن هذه الحرية إن كانت في إطار التزام مرجعية نصوص الكتاب والسنة, ولم تخالف قطعيا في الشريعة، وكانت تستند إلى مساحة المباح أو لها متكأ من تأويل شرعي يحتمله الدليل وتتسع له اللغة فأمرها قريب والباب فيها واسع. 

لكن مجتمع النبي عليه الصلاة والسلام كانت به حرية وتعددية دينية مطلقة فضلاً عن الفكرية ولم يكن رابطها غير "وثيقة المدينة" ولم تلزم الناس بمرجعية الكتاب والسنة، كيف يمكن الإلزام في ظل المشارب والأفكار المتعددة؟ 
حديثنا هنا عن التعددية في داخل الدائرة الإسلامية, وأما الحرية الدينية والفكرية لغير المسلمين في دار الإسلام فهي مكفولة لهم ولكنها محكومة بعقد المواطنة الذي يعكس ضرورة الحفاظ على مبادئ الأكثرية واحترامها, والذي تعبر عنه في العادة الدساتير والأنظمة الأساسية, وهو مبدأ ظاهر في شريعتنا منذ عصر التشريع فيما عبر عنه بحقوق أهل الذمة ومن في حكمهم .
وأما الحرية والتعددية المطلقة من كل قيد فلا يقول بها عاقل. وليست إلا مقدمة احتراب واضطراب.

مفاهيم معاصرة
يدور جدل حول بعض المفاهيم المعاصرة كالحرية والمواطنة وغيرها، هل يمكن قبول مثل هذه المفاهيم ابتداءً، وإلى أي مدى يمكن ذلك؟
هذه المفاهيم مقبولة من حيث الأصل، وكالعادة لابد من إيضاح المراد بها في كل سياق ليتأكد هذا القبول المبدئي أو ينتفي، فمفهوم الحرية جاء في الإسلام بمعنى حرية الاختيار والإرادة، كما جاء بمعنى الخلوص من الرق, وهو معنى مرتبط أيضا بحرية الإرادة والاختيار، ولكنها ضبطت بما لا يخالف عقد الإسلام الأصلي الذي يلزم كل مسلم، فليس منها على هذا حرية الكفر أو الابتداع, كما أنها تعني المسئولية عن الأفعال والأقوال في الدنيا والآخرة, وليس من آثارها التجاوز على حقوق الآخرين مجتمعاً أو أفراداً, ولذلك جاءت الشريعة بقواعد التقاضي كما جاءت بالحدود وأحكام الجنايات . 
والمسلمون كغيرهم من الأمم لا يقولون ولا يطالبون بحرية مطلقة, فالحرية المطلقة لاتعني في الواقع سوى الفوضى والضياع والظلم .
وأما المواطنة فمصطلح يعنى حقوقا خاصة مرتبطة بالنظام المجتمعي والكيان السياسي الذي ينتمي إليه الإنسان, يفرض عليه واجبات ويمنحه حقوقاَ دون أن يتعارض ذلك مع مبدأ الإنسان ومنهجه الخاص, فهو مفهوم مقيد كذلك.

تقنين الأحكام
دكتور مسألة تقنين أحكام القضاء وقوانينه، ما الموقف منه؟ وألا يمكن أن يستفاد من قوانين وضعية إذا كانت لا تخالف الشرع؟
هذه مسألة طال وكثر الحديث حولها، وأظنها باتت محسومة الآن فالاتجاه المعلن هو تقنين قضايا التعزيرات وما في معناها, وهو ما يمكن أن يقنن، وأما غيرها فلا يمكن تقنينها بالمعنى المعروف, ولكنها محكومة بقواعد الشريعة ونصوصاً وبآليات التقاضي وضوابطه وفيها مجال للنظر الاجتهادي, وأما آليات التقاضي نفسها وقضاء التنفيذ والقضايا الإنهائية فهي في الحقيقة مقننة بأنظمة ولوائح، وقد خرجت وفق رؤية شرعية وواقعية، واستفيد فيها بحسب مايظهر من تجارب غيرنا، ومع كل هذا فلا زال قطاع القضاء لدينا بحاجة ماسة إلى الكثير من التطوير وإلى الطاقات البشرية المؤهلة تأهيلاً مناسباً، وإلى مراجعات مختلفة، فهو بكل أسف لازال متأخراً كثيراً عن منزلته التي يستحق.

دكتور يعترض كثير من الناس على نقد بعض المشايخ والعلماء حال خطئهم، ويبرر ذلك باحترام مكانة العلماء وحتى لا تسقط هيبتهم أمام الناس، ما الموقف من أخطاء العلماء خاصة في الفضاءات الإعلامية المفتوحة التي بإمكان أي أحد أن يقول ما يشاء؟

العلماء ليسوا معصومين وهم بشر يخطئون ويصيبون, ولا أرى مانعا من نقدهم وتخطئتهم فيما ظهر فيه الخطأ مما هو محل اتفاق بين الناس, وأما ما كان مظنوناً من خطأ في الميدان العلمي فنقده يكون لأهل العلم المتخصصين، وليس لغيرهم ممن ليس له علم بالشريعة, والمشاهد أن أكثر من ينتقدهم إعلامياً ليس من أهل التخصص بل هو إما جاهل يهرف بما لايعرف , أو مغرض يبحث عن مداخل تشكيك وتنفير من أهل العلم .
والمبدأ الشرعي العام هو إجلال أهل العلم فقد رفع الله منزلتهم ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ..) واغتفار زلاتهم اليسيرة في بحر حسناتهم, والنظر في أقوالهم بميزان العدل والإنصاف بلا غلو ولا تفريط, فإذا وقع النقد والتخطئة في ظل هذه الآداب والمعايير فلا مانع منه .

انتقاد العلماء
إذا كان يمكن أن يرد على العلماء من قبل متخصصين فما هي المساحة أو الدوائر التي يمكن أن ينتقد فيها العلماء من قبل الكتاب والمهتمين بالشأن العام لا سيما إن كانت أطروحات العلماء والمشايخ لها تأثير على الشأن العام؟
بعض القضايا لا مشكلة في طرحها على ملأ وهي تلك القضايا العامة التي يحتكم فيها لتقدير الواقع مثلا، وأما القضايا الشرعية العلمية فلا زلت على رأيي في أنها مسألة تخصص، ودخول غير المتخصص فيها مظنة التخبط والتشويش على الناس، وهنا يجب أن يحترم التخصص كما يحترم تخصص الطبيب والفلكي والمهندس وغيرهم.

بعض أهل العلم قد تكون له آراء مغايرة لما هو سائد في الأوساط الشرعية لكنه يخشى النقد أو يخشى أن ينقلب عليه أتباعه، والمجتمع المحيط به، أليس الحق أحق أن يتبع؟

لا أظن أن هذه ظاهرة من الظواهر, وإن وجد هذا لدى بعضهم, المفترض أن يزن العالم الأمور بالميزان الشرعي نفسه, فليس كل اجتهاد يناسبه الإعلان والإظهار, وأما أن يكون الفيصل هو ما يريده الأتباع فلا شك أن هذا انحراف عن المنهج الحق، والأصل الحاكم في ذلك هو ما يحبه الله ويرضاه .

البعض يرى أن التيسير في الشرع مطلوب خاصة مع عامة الناس، والبعض يرى أن الأحوط هو المنهج الأسلم والأفضل، أين تقف أنت خاصة إذا كان الدليل يحتمل الاثنين؟

إذا بذل العالم وسعه في تطلب الصواب في المسألة وفق المنهج الشرعي ثم لم يتبين له رجحان أحد الأقوال فيها فحينها أرى أن يأخذ بالأيسر وهو اتجاه معروف لبعض أهل العلم المحققين وهو الأقرب لروح الشريعة ومقصدها العام .

كثر الاشتباك في مجتمعنا بين العادات والتقاليد من جهة وبين الأحكام الشرعية من جهة أخرى الأمر الذي فرض بعض المشكلات الاجتماعية حتى أصبح نقد بعض العادات كأنه نقد للشريعة، برأيك إلى أي مدى هذا ينطبق بالفعل على مجتمعنا، وما السبيل للخروج من هذه الإشكالية؟
هذا إن وجد فهو على نطاق محدود, وللأسف أن من يطرح هذا الإشكال المفترض إنما يطرحه غالبا لهدف غير نزيه من وجهة نظري, فهو يربط به بين ما يريده أن يتحقق فيدخله في باب العادات، وبين الموقف الشرعي من ذات القضية، فهي حيلة هروب ضعيفة.
والخلاصة أن ما صدر من أهل العلم المعتبرين منطلقاً من فهم الشريعة ومعرفة الواقع فلا بد من احترامه، ولا أظن أن أحداً يهدف إلى التضييق على الناس وتحريم ما أحل الله، ويبقى مع ذلك أن النقد العلمي بين أهله وفي مجاله مطلوب على الدوام .

المرأة في مجتمعنا
كيف ترى وضع المرأة في مجتمعنا خاصة وأنها قاسم مشترك في الصراعات الفكرية والفقهية؟
هناك من يريد جعلها مادة للصراعات, والليبراليون على وجه التحديد جعلوها المعبر الأول لمشروعاتهم الفكرية، وصوروا للناس واقعاً للمرأة عندنا لا نعرفه ولا نراه لعدم وجوده أصلا، وكأنهم يتحدثون عن مجتمع خلف أسوار التأريخ القديم، أو يعيش في جزر الواق واق، تقبع المرأة فيه في زاوية مظلمة تحيط بها الحراب والسيوف الملتحية لتفتك بها، وهي تنظر من ثقب ضيق لفجر الحرية الليبرالية المنتظر لينقلها عبر مقود السيارة إلى مجتمع بلا قيود ولا حواجز!
الحقيقة أن المرأة لدينا بخير ولله الحمد وخصوصا إذا نظرنا إلى قضاياها المتعلقة بالهوية والكرامة، وأما ما يتعلق بالشؤون الحياتية الصرفة من وظائف ونحوها فمشكلاتها في الواقع كمشكلات الرجل فالكل يعاني.

تأثير الربيع العربي
كيف ترى تأثير ثورات ما يسمى "الربيع العربي" ؟
الربيع العربي أثر وسيؤثر على الجميع بدرجات متفاوتة, وقد تجاوز تأثيره المجاميع والأنظمة إلى ذوات الأفراد, ومن ظن غير ذلك فهو واهم, وعلى المستوى المحلي فقد ازداد بسببه الإصرار على بعض معاني الإصلاح الممتدة عبر قضايا المجتمع المختلفة، ومن أظهرها مقاومة الفساد بأنواعه ودهاقينه, وازداد الإلحاح على عناوين من قبيل حقوق الإنسان والمشاركة ونحوها, ولكن الجميع متوافقون فيما أرى على أن منهجية الإصلاح المطلوبة هي الإصلاح من الداخل والحذر من شق الصف وتقويض الأمن.

توجه تهم لبعض الرموز الدينية باستغلال بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لتأجيج الناس وتعبئة الشارع، هل هذا صحيح؟

هذه شنشنة نعرفها من أخزم، فهو اتهام من بعض الموتورين الذين ساءهم عمق وامتداد أثر الرموز الشرعية، وقد انكشفت هذه التهمة مع ظهور أصالة ووطنية هذه الرموز الشرعية في عدد من القضايا الكبرى، ومع تصدرهم المشهد في مستوى الموثوقية والمتابعة والتأثير والمجتمع ليس مغفلا.

 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال