المكي: الحرية وقعت بين استلاب الغيب أو استلاب المادة

عرض- غازي كشميم
الجمعة 02/05/2014



في محاولته لتحرير المفهوم يسلط الباحث هشام المكي الضوء على مصطلح (الحرية) بين الطرح الإسلامي -خاصة التراثي منه- والطرح العلماني، ويشير في مقاربته البحثية هذه إلى ما وسم به كل طرح من جهة، كما يحاول طرح رؤية مستقلة كمدخل إلى بلورة هذا المصطلح والقبول به ضمن إطار كل ثقافة في الوقت الذي يبقي فيه على مضمونه ومحتواه.

ويستهل المكي ورقته البحثية بنقله عن موزاكوفسكي قوله: كانت تصادفنا في بعض المطارات الدولية - كمطار هيثرو- ملصقات إعلانية لمصرف دولي هو «HSBC» تصور جرادة مع رسالة تقول: «هي آفة زراعية في الولايات المتحدة، وهي حيوان مدلل في الصين؛ أما في شمال تايلاند فهي طبق مقبلات»، موضحًا أن هذا مثال على اختلاف إدراكنا وتصورنا لحشرة بسيطة، باختلاف الخصوصيات الثقافية والنماذج المعرفية، فكيف هو الحال في إدراكنا للمفاهيم المجردة التي هي أولى بالتباين والاختلاف؛ ليصبح القول في الحرية متعددًا ومنبعًا للنقاش والإبداع.
الطرح الإسلامي
وحول استقرائه للحرية في الطرح الإسلامي يشير المكي إلى أن الفقهاء تطرقوا إلى مسألة الحرية في سياق تشريعي، عملوا من خلاله على إرساء أحكام فقهية تميز بين المسلم الحر والعبد. كما أن علماء الكلام ناقشوا مسألة الحرية من منظور أنطولوجي صرف، ربطوا فيه أفعال العباد في علم العقائد بقضية الألوهية من خلال حديثهم عن حدود قدرة الإنسان في مقابل قدرة الله، وإشكالية وضعية الإنسان بين التسيير والتخيير، ومفهوم القضاء والقدر. أما الصوفية فقد استجلوا جماليات الحرية الإنسانية، من خلال التحرير الكامل لإرادة الإنسان. غير أن المكي يشير إلى بعض الكتابات المعاصرة التي تحررت من الطرح التقليدي، وانطلقت من ربط الحرية بالتوحيد أو العبودية لله تعالى، بحيث يصبح الله عز وجل هو الضامن لحرية الإنسان، وتصبح عبودية لله، مدخل تحرر الإنسان في كل سياقات حياته الاجتماعية أو الأسرية أو النفسية.
الطرح العلماني
وفي الجانب الآخر يرى المكي أن الحرية في المفهوم العلماني ترتبط سياسيًا بأدوار المجتمع المدني، وفكريًا بمفهوم العقد الاجتماعي. ويكشف المكي أن الحرية في مفهوم العقد الاجتماعي تستبطن رؤية خاصة للإنسان تعزله عن كل السياقات التاريخية والأخلاقية، وتنظر إليه على أنه «إنسان طبيعي، شيء طبيعي/مادي بين الأشياء الطبيعية/المادية، مبينًا أن هذا التصور هو إفراز مباشر لمفهوم العقد الاجتماعي البورجوازي، الذي يرى أسبقية الفرد الطبيعي على المجتمع غير الطبيعي، وهو العقد الذي تحول في منتصف القرن التاسع عشر إلى العقد غير الاجتماعي الدارويني، الذي يفترض حرب الجميع ضد الجميع كما تنبأ فيلسوف البورجوازية الأكبر، توماس هوبز في عصر النهضة.
ويعتقد المكي في ورقته البحثية المنشورة على موقع مركز نماء للبحوث والدراسات أن أغلب الكتابات التي تناولت مسألة الحرية، تراوحت في مجملها بين استلابين: استلاب الغيب بمعناه اللاهوتي، واستلاب المادة أو المطلق العلماني. ولذلك فهو يحاول طرح مسألة الحرية طرحًا قريبًا من قيم الاستخلاف؛ ليحررها من استلاب الغيب (اللاهوتي) المانع للفعل الإنساني، ومن استلاب المطلق العلماني المدنس له، ونفتح الحرية على الأبعاد الإنسانية الرحبة.
ويستنتج المكي في أطروحته أن نظر الإنسان وعمله ليسا عين المطلق المتجاوز لهما، الأمر الذي يحفز للفعل الإنساني الساعي إلى الكمال والدنو من المطلق والقرب منه، وهي بذلك تكرس مفهوم خلافة الإنسان واستخلافه في الأرض ببعديهما النظري والعملي. ويضيف المكي أن بهذه النظرة، لا أحد يمتلك المطلق القيمي، وبذلك تتحرر «الحرية» من ألف ولام التعريف؛ ولا تبقى جلادًا يرهب كل من كان له نظر آخر في الحرية التي أصبحت ككل منتوج غربي، مفهومًا عالميا مغلقا ونمطيًا، لا تستطيع أن تبدع في ظله حريتك. وإلا صودرت حريتك باسم «الـ»حرية.
ويعلل المكي أن مثل هذا الطرح الجديد يجعل الحرية تنفتح على الأبعاد الإنسانية، كما نستطيع حينها الحديث عن حرية تحديد الحريات والاستفادة من الثراء الكبير الذي تجود به التجربة الإنسانية المتنوعة. كما أن مثل هذا الطرح يحول دون تحول «حرية التعبير» ذاتها تتحول إلى طوق يخنق كل من اعتبر حرية التعبير حقًا له وعبر عن رأيه بأن لحرية التعبير حدودًا. رغم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اختلاف في الرأي واستعمالاً للحرية ذاتها. مشيرًا في هذا السياق إلى أن الكل يجمع على ضرورة تحرر الشعوب ولحاقها بركب «التنمية» لكن لا يسمح لها بأن تمارس حريتها في اختيار «التنمية» التي ترتضيها.



 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال