“العنصري”.. صوت لا يمثل إلا نفسه.. والقانون هو الحل

استطلاع: غازي كشميم
الجمعة 16/05/2014



“العنصري”.. صوت لا يمثل إلا نفسه.. والقانون هو الحل


تنتشر بين الفينة والأخرى تصرفات وسلوكيات في المجتمع توحي ببواقي عنصرية مازال يعيش في أكنافها بعض أفراد المجتمع سواءً تجاه مواطنين مثله لكنهم ليسوا من قبيلته أو منطقته أم وافدين ألجأتهم الظروف المعيشية إلى هذا البلد، وفي ظل الانتشار الهائل لوسائل الاتصال الحديثة فإن هذه الوسائل تظهر ما ظل خبيئًا في نفوس البعض؛ فتنتشر على إثرها تغريدات (تويترية) أو مقاطع (يوتيوبية) أو حتى مقالات (صحفية)، ورغم أن البعض يرى أن تلك التصرفات ربما كانت ردات فعل لأحداث معينة، إلا أن نلك التصرفات ليست مبررًا لعدم اللجوء إلى الجهات المختصة لمعالجة القضايا الخلافية؛ فلماذا تظهر مثل هذه السلوكيات العدوانية تجاه الآخرين بين الفينة والأخرى؟ وهل هناك قانون وإجراءات تجرم مثل هذه الأفعال وتتيح للجميع التحاكم إليها؟ وكيف يمكن التقليل من نبرة العنصرية تجاه الآخرين في المجتمع؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحتها (الرسالة) على عدد من المراقبين وأصحاب الرأي في سياق التحقيق التالي:
بداية قال عميد كلية التربية سابقًا بجامعة أم القرى الدكتور صالح السيف: إن التعامل مع أي إنسان سواءً كان مواطنًا أو غير مواطن بالاحتقار والازدراء والعنصرية يعد من الجرائم التي لا تغتفر ويجب المحاسبة عليها. وأضاف السيف أن العنصرية توجد في كل بلد تقريبًا، وانتقد السيف من يعيشون حالة من الانفصال بين المثالية التي يدعون إليها حين يدعون إلى المساواة بين كل البشر وأننا كلنا لآدم وآدم من تراب لكنه حين يأتيه شخص ما لخطبة ابنته أو أخته -على سبيل المثال- يسأل عن أصله وقبيلته في حالة تناقض بين ما كان يدعو إليه من مثالية. وأشار السيف إلى أن مثل هذه الثقافة سائدة لدى قطاعات كثيرة من المجتمع، مؤكدًا ضرورة أن تبدأ الطبقة المثقفة والمتعلمة بإزالة ومحاربة مثل هذه التوجهات العنصرية في محيطهم العائلي والمجتمعي، وشدد السيف على ضرورة إدراك أننا نعيش تحت سماء واحدة وفوق أرض واحدة سواء كنا مواطنين أو غير مواطنين، مؤكدًا ضرورة احترام خصوصيات الجميع وأن تكون المرجعية في خصوماتنا إلى الجهات المعنية. وأكد السيف أن حالة اعتداء مواطن على مواطن آخر أو على عامل أجنبي غير حضارية، وأنه بإمكانه أن يلجأ إلى الشرطة ويتخذوا حياله الإجراءات القانونية الرسمية، محذرًا من الرعونة والعصبية التي قد تتلبس بأشخاص وتودي بهم ربما إلى التهلكة. وأوضح السيف ضرورة أن تكون هناك عقوبات محددة ومعلومة لدى الجميع في حال حدوث مثل هذه السلوكيات تجاه الآخرين، مؤكدًا أن مثل هذه العقوبات ستكون رادعًا قويًا لأفراد المجتمع، وأشار السيف إلى حالات اعتداء على أجانب حصلت في دولة خليجية مجاورة أثارت الرأي العام المحلي والدولي وتدخلت على إثرها منظمات حقوقية دولية، داعيًا إلى تجنيب بلادنا مبررات وذرائع الخارج للتدخل في شؤوننا المحلية.
تعالٍ فوق العنصرية
في حين قال الإعلامي والكاتب الصحفي عبدالله الكعيد: إن هناك تصرفات من مواطنين هي نوع من التعالي على هذه العمالة الوافدة في حين يعتقد المواطن أنه أعلى درجة منهم، وهذه لا تسمى عنصرية وإنما تعالٍ غير مبرر، وأرجع الكعيد مثل هذه التصرفات إلى جهل المواطن بقيمة الإنسان وكرامته، موضحًا أنه من المعيب أن تحدث مثل هذه السلوكيات في مجتمعنا، لكن الكعيد أكد في الوقت ذاته أن علينا أن ننظر أيضًا إلى طيف واسع من المواطنين لديهم مكفولون يعاملونهم بكل احترام وكل إنسانية، وأشار الكعيد إلى أنه ليس هناك تحليل دقيق لمثل هذه التصرفات العنصرية غير أنه ربطها بمستوى التفكير لدى هذه المجموعة من الناس التي تتعامل بغير إنسانية، وأضاف الكعيد أن غياب القوانين التي تحمي العمالة من الاعتداء يزيد من ظهور مثل هذه الممارسات، موضحًا أن قانون الجنايات يجب أن يطبق على أمثال هؤلاء. كما أشار الكعيد إلى أن رجال الأمن مسؤولون مسؤولية كاملة عن حماية كل من يتواجد على أرض المملكة سواء كان من المواطنين أم من الوافدين كما أن على الجهات المعنية بالعمل أن تنشئ برامج توعية بحقوق العامل وما هي الإجراءات التي يتخذها العامل في حالة حدوث اعتداء عليه سواء من المواطن أم من غير المواطن. وأشار الكعيد إلى عامل الخوف الذي يكتنف بعض العمالة خاصة مع ما نعيشه من حملة تصحيحية لأوضاع العمالة والتي جرأت المواطن على العمالة الوافدة ومارس بعضهم هذا الاعتداء، ملمحًا إلى أن الوافد لو عرف أن القانون لدينا لا يفرق بين المواطن والوافد أمام القضاء للجأ إليه، لكنه الخوف يدفعهم إلى عدم التبليغ عن حالات الاعتداء، الأمر الذي يشجع بعض المواطنين على التكبر والاعتداء على أولئك البسطاء. وأكد الكعيد أن مثل هذه التصرفات تسيء إلى الوطن في الخارج خاصة لدى المنظمات الحقوقية في ظل توافر وسائل إعلام حديثة تنتشر فيها الأخبار على نطاقات واسعة محلية وعالمية، الأمر الذي يجعل من في الخارج يظن أننا نعامل الوافد معاملة سيئة وهذا غير صحيح مدللًا على وجود قرابة 9 ملايين لم يتعرضوا في أغلبهم إلى حوادث اعتداء.

أزمة أخلاقية
من جانبه قال المؤسس والمشرف على مشروع النهضة الأخلاقية (خُلق) عمر بن عثمان الاندجاني: إن العنصرية تمثل انعكاسًا للأزمة الأخلاقية التي نعيشها، وأرجع الاندجاني السبب في ذلك إلى البعد عن النهج الأخلاقي للمصطفى عليه الصلاة والسلام، مشيرًا إلى التزام كثير من الناس بظواهر العبادات كالصلاة والصيام والصدقة وغيرها ولكن انعكاس تلك العبادات على أخلاقهم وسلوكهم فيه ضعف، ويذهب الاندجاني إلى أن هناك انعكاسًا سلبيًا في بعض الأحيان حيث يعتقد البعض أن عبادته فقط تضمن الحصول على الأجر في الآخرة بغض النظر عن أخلاقه وسلوكياته التي قد يتضرر منها الآخرون، فالبعض يظن أنه بمجرد صلاته أو التزامه حتى بالصف الأول في الصلاة يستطيع بعد ذلك أن يفعل ما يريد. وأشار الاندجاني إلى حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المفلس وهو الرجل يأتي بحسنات أمثال الجبال لكنه سيئ الخلق فيؤخذ من حسناته وتضاف إلى من أساء إليهم، ولم تنفعه حُسن عبادته في مقابل سوء خلقه فالفيصل هو أن تجتمع العبادة والمعاملات في سلوك المسلم فأحدهما لا يكفيه لدخول الجنة بعد رحمة الله وفضله. وكشف الاندجاني عن خلل يعيشه بعض الناس يتمثل في اعتقادهم أنهم يمارسون حقيقة الإسلام بالرغم من عنصريتهم، مشيرًا إلى أن هذا دليل على خلل في فقه العبادة لدى أولئك، وأوضح الاندجاني أن التدين لا يعني حسن الخلق؛ لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه» وهنا فرق بين الدين والأمانة. وأكد الاندجاني أنه لا يوجد ذنب يستحق الإنسان به أن تهان كرامته، ما لم يكن حدًا يقام عليه من القاضي، وحتى عند إقامة الحد على الجاني فإنه لا يضرب وجهه احترامًا وصونًا لكرامته، واستنكر الاندجاني مثل هذه التصرفات وقال: إنه كان على الشاب أن يلجأ إلى السلطات والشرع حيث يمكنه أن يضمن صون دينه وأخلاقه حتى وإن ظلمه القاضي أو لم ينصفه النظام.

الانفصام الأخلاقي
وعن الانفصام الذي يعيشه بعض الناس بين سلوكياتهم في الشارع وبين ما يتلقونه من تربية ومناهج أخلاقية في البيت والمدرسة قال الاندجاني: إن طابع التقاليد والموروثات تغلب في كثير من الأحيان على المنهج الديني الموجود في سنة المصطفى الكريم -عليه الصلاة والسلام-، مشيرًا إلى أن التدين الموجود الآن لدى كثير من الناس يشكل عادات فقط ليس لها انعكاس مباشر على السلوكيات والأخلاق، حيث: إن كل مقاصد العبادة في الإسلام تصب في قوالب أخلاقية فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والصيام يشترط البعد عن قول الزور والصدقة لا تصلح مع المن والأذى والحج يستلزم الصبر وعدم الرفث والفسوق. وأكد الاندجاني أهمية التربية الأسرية لتعزيز الجانب الأخلاقي، وهي تمثل حجر الأساس والركن الأساسي في عملية التربية، بعد ذلك تأتي المدرسة لتضيف وتعزز المفاهيم الأخلاقية بالإيجاب أو السلب. ويستشهد الاندجاني بأهمية التربية الأسرية في تعزيز الأخلاق والسلوك لدى أفراد المجتمع بحادثة مرت عليه في إحدى مدن المملكة حين كان يسير قبل نحو ١٥ سنة في إحدى الأحياء مع زميل له من ذوي البشرة السوداء، وإذا بطفل ذي ٤ سنوات يطل عليهم من إحدى الشرفات وينادي زميله بكلمات نابية فيها عنصرية واحتقار، ويشير الاندجاني إلى أن هذا الطفل لم يذهب إلى المدرسة بعد ولم يختلط بالشارع أو مواقع الانترنت والبرامج التلفزيونية ولم يندمج في صحبة سوء، مما يدل على أنه مرآة تعكس تربية وتصرفات أسرته التي تربيه.



 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال