حماد: الحيل لا تذم أو تمدح بإطلاقها في الفقه الإسلامي

الجمعة 20/06/2014

حماد: الحيل لا تذم أو تمدح بإطلاقها في الفقه الإسلامي
غازي كشميم- جدة

لا تزال الدراسات والتقارير تشير إلى تقدم ملحوظ لـ (المصرفية الإسلامية) خاصة خلال العقدين الماضيين مدللين على ذلك بإنشاء كثير من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية واستخدام العديد من المنتجات والأدوات المالية الجديدة التي أفرزتها الصيرفة الإسلامية وصيغ التمويل الإسلامي، الأمر الذي تم على أسس مفهوم (الهندسة المالية). لكن ما هو هذا المفهوم؟ وكيف استفادت منه المصرفية الإسلامية؟

في بحثه المحكم والمنشور حديثاً في مجلة العدل العلمية في عددها الصادر برقم (61) والتابعة لوزارة العدل السعودية قال أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة أم القرى سابقاً والمستشار الاقتصادي الدكتور نزيه كمال حماد إن مصطلح (الهندسة المالية) مصطلح مالي معرب، يعني في الجملة «التصميم والتطوير والتنفيذ لآليات وأدوات مالية، والصياغة لحلول إبداعية لمشكلات التمويل والتبادل». موضحاً أنه يشمل جميع الأنشطة التي تتضمن إما تصميم وابتكار أدوات وعمليات تمويلية، أو تطوير أدوات وعمليات كانت موجودة من قبل، بحيث تحقق أهدافاً لم يكن بإمكان المتعاملين تحقيقها من قبل، استجابة للفرص الاستثمارية المتاحة، مع درء مخاطر اللايقين الذي يحيط بالأنشطة التمويلية والاستثمارية في عالم اقتصادي سمته المخاطر. أما تعريف الهندسة المالية من منظور إسلامي فقد عرفها حماد بأنها «تصميم مبتكر للتبادل والتمويل، يتضمن إيجاد حلول مبتدعة لمشكلاتهما، تنطوي على تغيير في هيكل العقود المسماة، وموجبات المعاملات المالية التقليدية، وذلك بإحداث عقود أو التزامات غير مقصودة لذاتها، تضم إليها أو تشترط فيها، بغية تحقيق غرض خطي أو هدف غير مصرح به، اتجهت إرادة العاقدين إلى بلوغه، وانصرفت هممهم إلى التوصل إليه عبر ذلك التصميم المبتكر أو المنظومة العقدية المستحدثة. ويبين حماد أنه قد جرى العمل بالهندسة المالية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة بإيجاد أدوات وأساليب وصيغ مبتكرة للتمويل الإسلامي، بغية توفير المرونة الكافية للاستجابة للمتطلبات التي تفرضها المتغيرات الاقتصادية المعاصرة، كإدارة المخاطر المرتبطة بأنشطتها المختلفة، والتحوط منها، بالإضافة إلى تحقيق رغبات العملاء وتطلعاتهم، ومواجهة المنافسة الشرسة من المؤسسات المالية التقليدية، بحيث تجمع بين المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية في تلبية شتى الأغراض التمويلية والائتمانية. وأوضح حماد أن هذا المصطلح قريب في المعنى والمفهوم من كلمة «الحيل» و»التحيّل» في الاصطلاح الفقهي، حيث إنها تعني فيه الحِذق (أي تقليب الفكر في تدبير الأمور حتى يهتدي المرء إلى المطلوب). وحول هذه النقطة والتي كثيراً ما تثير انتقادات المراقبين والنقاد قال حماد إن الأصل في الحيلة أن لا تذم مطلقاً، ولا تحمد مطلقاً، لأن لفظها لا يشعر بمدح ولا ذم، وإن غلب في العرف إطلاقها على ما يكون من الطرق الخفية إلى حصول الغرض، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة. مبيناً أنها في المنظور الشرعي معتبرة بالأمر المحتال بها عليه إطلاقاً ومنعاً، ومصلحة ومفسدة، وطاعة ومعصية. فإن كان المقصود بها أمراً حسناً كانت حيلة حسنة محمودة، وإن كان قبيحاً، كانت حيلة قبيحة مذمومة. وفي ذكره للأسباب التي دعت المصرفية الإسلامية للتوجه إلى مفهوم (الهندسة المالية) التحيّل على أحكام الشريعة ومقاصدها بالتوسل بما هو مشروع من التصرفات والعقود والالتزامات إلى ما هو ممنوع. بالإضافة إلى إيجاد مخارج شرعية لتجنب الوقوع في محظور. وأشار حماد إلى أن من ضمن الأسباب كذلك الالتفاف على بعض القوانين والأنظمة من أجل الهروب من أداء بعض الرسوم أو الضرائب أو الغرامات أو الحصول على ضمانات معينة، وإدارة المخاطر والتحوط منها في عمليات التبادل والتمويل المختلفة، والحصول على السيول النقدية وغيرها من الأسباب والدوافع التي حفزت المصرفية الإسلامية على الأخذ بهذا المفهوم الجديد.
وقسم حماد (الهندسة المالية) في النظر الفقهي من حيث الشكل إلى قسمين: بسيطة، ومركبة؛ موضحاً أن البسيطة مثل بيع العينة، وعكسه، والتورق والسلم الموازي. أما المركبة: فتتمثل في المنتجات المالية المركبة (المنظومات العقدية المستحدثة) التي ينضوي تحت كل اتفاقية منها مجموعة عقود ومواعدات ملزمة، مترابطة الأجزاء، متعاقبة المراحل، تهدف إلى أداء وظيفة محددة، وفقا لشروط تحكمها كمعاملة واحدة لا تقبل التفكيك والاجتزاء أو التغيير الهيكلي، ويجري التفاهم المسبق بين طرفيها على إجرائها على نسق محدد، ونظام مرتب، مثل الإجارة المنتهية بالتمليك، والمشاركة المتناقصة، وبطاقات الائتمان، والسندات (الصكوك الإسلامية) والتوريق (أي تسنيد الأصول). أما من حيث المضمون فإن الحكم عليها كذلك ينقسم إلى قسمين: محظورة ومشروعة. كما هو الشأن في الحيل، حيث إن الهندسة المالية بحسب حقيقتها ومفهومها ضرب من التحيل بالمعنى الاصطلاحي للحيلة، وهي على قسمين: حيل محظورة ومذمومة، وهي ما يتوسل به من العقود والتصرفات المشروعة إلى مقصود خبيث محظور، وذلك بإبراز عمل ممنوع شرعاً في صورة عمل جائز. والنوع الثاني الذي أشار إليه حماد هو المخارج الجائزة المحمودة، وهي ما يتوسل به من التصرفات والعقود الجائزة إلى مقصود حسن مشروع، وما يتوصل به إلى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، ويتخلص من الوقوع في المآثم، ويخرج به إلى إتيان ما فيه مصلحة معتبرة وغرض مباح.
وبين الباحث أن معيار التفرقة بين القسمين مبني على النظر إلى مآلات الأفعال والتعويل على أغراض المتعاملين منها، فما كان موافقاً لمقاصد الشارع الحكيم في أحكامه كان جائزاً، وما كان منها مناقضاً لمقاصد الشريعة كان محظوراً فاسداً، حيث جاء في القواعد الفقهية أن «قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقاً لقصده جل وعلا في التشريع»، وأن «كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له، فقد ناقض الشريعة، ومن ناقضها فعمله في المناقضة باطل». وبناءً على ذلك يرى المستشار الاقتصادي أن الهندسة المالية التي لا تخالف وسائلها أصلاً شرعياً مقرراً، ولا تناقض أغراضها شيئاً من مقاصد الشريعة، ولا تؤول إلى مفسدة خالصة أو راجحة عملاً سائغاً مقبولاً في النظر الشرعي، مبيناً أنها حلول مبتكرة في الصناعة المالية الإسلامية المعاصرة، ليس الهدف منها الالتفاف على الأحكام الشرعية الثابتة بإبراز عمل ممنوع شرعاً في صورة عمل جائز، أو بإظهار عمل غير معتد به شرعاً في صورة عمل معتد به، ولكن الهدف منها تلبية حاجة حقيقية أو تحقيق مصلحة معتبرة للمتعاملين.


 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال