مختصون: غياب دور العلماء.. طريق الانحراف الفكري للشباب


غازي كشميم - جدة
الجمعة 15/08/2014

مختصون: غياب دور العلماء.. طريق الانحراف الفكري للشباب

ألقت كلمة خادم الحرمين الشريفين والتي وجهها للعلماء بظلالها على أهمية استعادة دور العالم في الأمة بما يمثله من مكانة علمية ووجدانية في ضمير الأمة عبر تاريخها وحتى وقتنا الحاضر. فلماذا غاب أو خفت دور العلماء في الأزمات المتتالية للأمة؟ وما تأثير ذلك الغياب على عامة الناس وخاصة الشباب؟ وكيف يمكن استعادة العالم لدوره وتعزيز مكانته في المجتمع؟ «الرسالة» استطلعت آراء عدد من العلماء والدعاة حول (غياب دور العلماء في الأزمات) من خلال الاستطلاع التالي:

في البداية قال رئيس محاكم الاستئناف بالقصيم عبدالله المحيسن: إن دور العلماء يتجلى في تثبيت الناس على الحق، ومواجهة الباطل، وأن يحثوا الناس على الصبر في الأزمات والكوارث مضيفًا أن غياب العلماء في الأزمات يؤدي إلى انحراف الأمة عمومًا عن جادة الصواب والصراط المستقيم، خاصة الشباب الذين هم عماد كل أمة، وأوضح المحيسن أن العلماء إذا لم يقودوا الأمة فإن ذلك مدعاة للفتن والقلاقل والانحراف في المجتمع. وأكد المحيسن أن لكل شيء تبعاته، فعلى العلماء أن يتحملوا تبعات الصدع بالحق لذلك أمرنا الله بالصبر والصدق وتحمل ما يحصل كما ذكر الله عز وجل قصص الأنبياء وما حصل لهم من الاعتراضات وأذى الناس. 

ملاذ للناس
وقال أستاذ الفقه المشارك في كلية الشريعة بالأحساء الدكتور عبدالرحيم الهاشم: إن الله جعل العلماء ملاذًا للناس في أوقات الأزمات كما قال تعالى: «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم»، مضيفًا أن الناس في حالة الخوف يضطربون لكنهم لو رجعوا إلى أهل العلم لاطمأنوا، مشيرًا إلى أن على أهل العلم البيان والتوضيح أما سلطة القوة فهي بيد السلطان. وأوضح الهاشم أن عدم قيام العلماء بأدوارهم ينتج عنه فساد كبير، مبينًا أن هذا التقاعس يفتح الطريق لاتخاذ الناس رؤساء جهالًا يسألوهم فيفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا. ودعا الهاشم العلماء أن يفتحوا صدورهم للشباب وأن يفرغوا جزءًا من أوقاتهم لملاقاة الناس والشباب وتعليمهم وتوجيههم. وأضاف الهاشم أن على العالم أن لا يخشى الانتقادات عند إبداء رأيه بل عليه أن يبين رأيه بالدليل ولا ينتظر ثناء الناس ولا ذمهم، بل يبين ما يظهر له بالنص والدليل، وقد يعترض عليه الآن لكنه سينصر ولو بعد حين، وكشف الهاشم أنه ما من أحد يسلم من النقد.

******


الشهراني: توفير الأجواء الآمنة للشباب ليبث أفكاره حتى لا يذهب فريسة للإرهاب

وبين الأمين العام للهيئة العالمية للعلماء المسلمين الدكتور سعد الشهراني أن من يقود الناس في حالتي السلم والحرب من الناحية العلمية والفكرية هم العلماء، لذلك سماهم الله سبحانه وتعالى «أولوا الأمر» فهم والحكام من أولي الأمر الذين يصدر الناس عنهم، ويتبعونهم وينقادون لتوجيهاتهم. وأضاف الشهراني أن الحاجة للعلماء تشتد حين وقوع الأزمات لأن الناس يقعون في اضطراب وحيرة ويحتاجون إلى من يوضح لهم الطريق، وهذا ما قام به العلماء عبر تاريخنا الطويل وسطره لهم بمداد من ذهب، مدللًا على ذلك بما قام به الإمام ابن تيمية لما وقعت الفتنة في بلاد الشام وكاد المغول أن يستبيحوا بلاد الشام كما فعلوا في بغداد طالب ابن تيمية الحكام بأن يواجهوا تلك الحملة المغولية وأن يخرجوا إليهم قبل أن يدخلوا هم إلى بلاد الشام، كما أن ابن تيمية كان مجاهدًا مع الجيوش ولم يكتف فقط بحث الناس بالكلام بل شارك في المعركة الشهيرة معركة شقحب، كما أشار الشهراني إلى أن السلطان محمد الفاتح حين فتح القسطنطينية كان على يمينه العالم آق شمس الدين. وحول اختلاف العلماء في أوقات الأزمات، قال الشهراني: إن الحق عليه نور، ويبقى واضحًا ومجمعًا عليه، كما أنه ليس كل العلماء من أهل الرسوخ والثقة، كما أن هناك علماء ربانيين لا يخشون إلا الله، ويدورون حول الحق حيث دار، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم إلى أن تقوم الساعة». وأوضح الشهراني أن غياب صوت العلماء يؤدي إلى فتنة عظيمة وكما قال أحد السلف: «إن زلة العالِم زلة للعالَم». مبينًا أن صمت العلماء -كما أشار لذلك خادم الحرمين الشريفين- وعدم نشاطهم في بيان الحق وتجريد أهل الأهواء والضلال يوقع الناس في حيرة واضطراب، مؤكدًا على أهمية استعادة العلماء لدورهم ومكانتهم في الأمة كما هو عبر التاريخ، وأشار الشهراني إلى أنه على مدى الدورات التاريخية للأمة فإن العلماء كانوا دومًا إلى جانب الحكام يشيرون إليهم ويسددونهم وينصحونهم. وكشف الشهراني عن إشكالية يعيشها واقعنا وهي أن الشباب لم يعد يستمع إلى العلماء ويأخذ منهم كما يأخذ من شبكة الانترنت، وذكر الشهراني قصة واقعية حصلت له حين كان في مطار اسطنبول وقابل أحد الشباب الذين كانوا ينوون الذهاب للقتال مع «تنظيم الدولة» وهو لا يعرف كثيرًا عن الإسلام وأحكامه ولما بين له حقيقة هؤلاء وما هم عليه من الانحراف رجع من اليوم الثاني موضحًا أن ذلك الشاب تعرف على ذلك التنظيم من خلال الفيس بوك حين كان بعض الأشخاص المجندين من قبل تلك التنظيمات يرسلون إليه صور ومقاطع تشجعه على الانخراط معهم في القتال. ودعا الشهراني إلى تواجد العلماء في شبكات التواصل الاجتماعي وتوضيح المسائل الفكرية للشباب بالدليل والتحاور معهم حتى لا يتركوا فريسة للتنظيمات المتطرفة. وأكد الشهراني على دور المؤسسات التعليمية في توعية الشباب لأنها المحاضن الرئيسية والتي لها تأثير كبير على الشباب، كما أن على تلك المؤسسات أن تفتح باب الحوار والنقاش مع الشباب وأن تستضيف العلماء ليبينوا لهم خطر الأفكار المتطرفة، وأكد الشهراني على أهمية توفير الأجواء للشباب ليبث أفكاره وأطروحاته للعلماء حتى يبينوا لهم الحق والصواب وأن لا تصادر آراؤهم حتى لا يذهبوا فريسة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة. 
********


العصلاني: الانحراف لدى الشباب سببه صعوبة الوصول إلى العلماء ومحاورتهم
وأكد الداعية إبراهيم العصلاني أن الأمة لا تنقاد إلا بقول الله وقول رسوله، لأن هذا الأمر يترتب عليه جنة ونار، ومن هنا فإن كلام العلماء يحظى بأهمية بالغة، وأوضح العصلاني أن كل القضايا لا بد أن يؤخذ فيها رأي الشرع حتى في الأمور السياسية، مشيرًا إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (السياسة الشرعية)، كما أن كثيرًا من المعاملات الاقتصادية في البنوك بحاجة إلى فتاوى العلماء وآرائهم. وأكد العصلاني أن غياب أصوات العلماء يؤدي إلى تضخم أصوات غيرهم ممن وصفهم بـ «الرويبضة» والجهال ومن يتربص بالأمة ويريد لها الضرر مستغلًا بعض الفتاوى أو الآراء، وبين العصلاني أن أدلة الشريعة حمالة أوجه فإذا لم يصدع العلماء بالحق ويبينوا الرأي الصحيح بالاستدلال سيأتي جاهل ويستدل ببعض الأدلة من الكتاب والسنة على غير وجهها، وأشار العصلاني إلى أن كثيرًا من الشباب المتحمسين دينيًا والذين انحرفوا في استدلالاتهم خرجوا من هذه الثغرة حين لم يبين العلماء الوجه الصحيح من الأدلة ففهموها بوجه غير الوجه المراد منها وأنزلوها على الواقع في غياب العلماء. وقال العصلاني: إن طبيعة الحق له خصوم فعلى العلماء أن يوطنوا أنفسهم لذلك وإلا فلا يتصدروا، مبينًا أن العالم الحقيقي يبحث عن الدليل ويتحمل ما يأتيه من النقد. كما أفاد العصلاني أن دور العالم أن يذهب للناس وينزل إليهم ويطلب توجيههم ولا ينتظر أن يأتيه الناس ويطلبونه في منتدياتهم، مضيفًا أن على العالم أن يحدث الناس بما يعرفونه ولا يأتيهم بالمسائل الغريبة والشاذة. كما أكد العصلاني على أن يناقش العلماء المسائل الواقعية والمستجدة والتي تحل إشكاليات جديدة خاصة ما يترتب عليها فساد في الأمة، لا أن يبحث في المسائل القديمة والتي أشبعت بحثًا. وكشف العصلاني أن هناك فجوة بين العلماء وبين الشباب المتحمس لدينه والمندفعين منهم، مطالبًا العلماء بتكثيف تواجدهم في المخيمات والملتقيات والتجمعات الشبابية والتي لا يكاد يتواجد فيها إلا الدعاة فقط، وأوضح العصلاني أن الشباب حين يتدين على أيدي بعض الدعاة يكون في حاجة إلى توجيه من العلماء الراسخين في العلم لأن هذه المرحلة من تدين الشباب تحتاج إلى معرفة وعلم عميقين لا تتوفر إلا في العلماء المتمكنين، وحين لا يجدون أولئك العلماء فإنهم يختارون الطريق الآخر من التشدد والعنف والذي يجدونه مباشرة على شبكات الانترنت ومدعمًا بأدلة من الكتاب والسنة. وأفاد العصلاني أن الانحراف الفكري لدى الشباب المتدين سببه صعوبة الوصول إلى العلماء، بالإضافة إلى صعوبة الحوار والنقاش معهم حيث يسمعون الشباب كلمات توجيهية ثم ينصرفون من غير أن يعرفوا ما يدور في خلد الشباب من أفكار وشبهات، وبين العصلاني أن على العلماء أن يتحلوا بالصبر وطول النفس مع أولئك الشباب وأن يبينوا لهم بالدليل.



 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال