متخصصون: غياب التأهيل المبكر سبب رئيس لزيادة “الطلاق”

غازي كشميم - جدة
الجمعة 30/05/2014





لم يعد خافياً على أحد نسب الطلاق التي تطالعنا بها التقارير الإعلامية والإحصاءات الرسمية من قبل وزارة العدل أو من قبل بعض المراكز المتخصصة. ويكاد يجمع كثير من المهتمين والمتخصصين على أن السبب الأول والرئيس هو في ضعف تأهيل الشباب والشابات المقبلين على الزواج. ومع أخذ بعض الجمعيات والمراكز الأهلية بجانب التأهيل والتهيئة للزوجين إلا أن الحاجة ما زالت ملحة لتوسيع وتطوير هذه التجربة. فما الآليات التي يمكن اتباعها لتوسيع وتعميم هذا التأهيل؟ وما الجهات المختصة الرسمية منها والأهلية التي يمكن أن تساهم في هذا الموضوع؟ وما دور الجمعيات الخيرية ومراكز مساعدة الشباب على الزواج في التقليل من هذه الظاهرة؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على بعض المختصين والمهتمين بهذه القضية في ثنايا التحقيق التالي:

بداية قال رئيس جمعية الزواج بمكة عبدالعزيز بن حنش الزهراني إن الإحصاءات الواردة من وزارة العدل تؤكد أن مشكلة الطلاق بحاجة إلى لفتة من عدد من الجهات التوعوية والإعلامية والمنابر الخطابية والمؤسسات التعليمية. وأشار الزهراني إلى أن ما نشهده من تغيرات وانفتاح خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون له دور في هذه الظاهرة إلى جانب ضعف التحصينات لدى الشباب ضد هذه المتغيرات، كما أشار الزهراني إلى الفجوة بين الآباء والأبناء والتي جعلت الشاب يلجأ إلى زملائه أو منتديات الانترنت تاركاً من لديه خبرة ودراية بالموضوع. وكشف الزهراني عن قلة وعي لدى المجتمع يتمثل في اهتمامهم بالشكليات والمظاهر المادية فتجدهم يصرفون ببذخ على الزواجات رغم حالتهم المادية المتواضعة فإذا ما عاد إلى حياته الطبيعية وسكنه الحقيقي صدم بالحقيقة عن ما كان يتخيله مثالياً، وبدأ يفكر في الديون ومسؤوليات الحياة والتزاماتها. وبالإضافة إلى مسؤولية المجتمع عن مثل هذه التقاليد والعادات المكلفة فإن على الشاب أيضاً مسؤولية –كما يرى الزهراني- حيث إن هناك دورات تأهيلية للأفراد المقبلين على الزواج، على الشاب أن يستفيد منها، مضيفاً أن مراكز مساعدة الشباب على الزواج تقوم بدورها في هذه الناحية لكن لا بد من تضافر الجهود على كافة الأصعدة الأهلية والرسمية والإعلامية. وأضاف الزهراني أن هذه المراكز تقدم للشباب النصح والتوجيه وتضعه على بداية الطريق ولها آثار إيجابية، مشيراً إلى أن بعض المستفيدين من برامج تلك المراكز كانوا على تواصل بعد الزواج وعرضوا مشكلاتهم الأسرية على المستشارين في تلك المراكز، موضحاً أن تلك المراكز فاتحةً أبوابها لكل من أراد الاستشارة والاستفادة، وأضاف الزهراني أن الدورات التأهيلية التي تقدمها هذه المراكز تكون مصحوبة بتعرف الشباب على المستشارين والمتخصصين في القضايا الأسرية بحيث يمكن اللجوء إليهم في حالة وجود مشكلات. وتمنى الزهراني أن تتبنى وزارة الشؤون الاجتماعية مثل هذه المراكز وتدعمها، كما طالب الزهراني بالتنسيق بين وزارة العدل وبين الجمعيات والمراكز الاستشارية بحيث لا يتم أي عقد نكاح إلا بعد أخذ دورة تأهيلية للمتزوجين. كما تمنى الزهراني التنسيق بين وزارة العدل وتلك المراكز لحل هذه المشكلة أو التخفيف منها من جميع النواحي. وقال الزهراني إن الجمعيات الأهلية تواجه هذه الظاهرة بقدر إمكانياتها مشيراً إلى أن حالات كثيرة من الزواج تتم بعيداً عن تأهيل هذه الجمعيات.
وزارة شؤون الأسرة
أما الأكاديمية والكاتبة الدكتورة ميسون الدخيل فقد قالت إن الأرقام التي تطالعنا بها الصحف والجهات الرسمية والأهلية عن حجم ظاهرة الطلاق توحي بأن الأمر خطير، وأرجعت الدخيل هذه الظاهرة إلى تفسخ الأسرة وتفككها، مشيرةً إلى أن الأسرة لدينا كانت تتميز بترابط الصغار والكبار مع بعضهم، ويتعرف فيها الشباب على طريقة تعامل الكبار مع المشكلات وكيفية حلها والصبر عليها، بخلاف ما نعيشه في وقتنا الحاضر من رغبة كل طرف في تنفيذ رغباته وفي أسرع وقت، إضافةً إلى عدم استعداد كل طرف إلى تفهم واحتمال الآخر. وأشارت الدخيل إلى غياب (كبير العائلة) والذي يمكن أن يرجع إليه في حل المشكلات. وأكدت الدخيل أن هناك غياب لتهيئة الشباب للحياة الأسرية واقتصار اهتمام الأسر على الأمور المادية والشكليات، مبينة أن الأسرة لم تعد لها الأولوية في حياتنا في ظل وجود المؤثرات والمتغيرات الخارجية والتي أثرت بالتأكيد على عدم جاهزية الشباب للحياة الأسرية. وعن تأثير وسائل الإعلام وما تبثه في نفسية الشباب والشابات من صور مثالية عن واقع الحياة الزوجية قالت الدخيل إن الشباب أخذوا بالمظاهر الشكلية التي تروجها وسائل الإعلام أكثر من جوهر وحقيقة الحياة الزوجية، وأشارت الدخيل إلى أن الشباب أصبح همه حياته الخاصة وإذا لم يستطع أن يعيشها كما يريد فلا بد من تغييرها بكل سهولة غير عابئ بالشراكة الأسرية التي ينبغي أن يرعاها. وأكدت الدخيل على تأثير المتغيرات الخارجية في أفكار وسلوكيات الشباب، كما أشارت إلى غياب التربية الأسرية وواجباتها عن مناهجنا التعليمية. وعن مراكز ومكاتب الاستشارات الأسرية ودورها في التخفيف من هذه الظاهرة خاصة مع ازديادها في الفترة الأخيرة قالت الدخيل إن هذه المراكز ووجودها يخضع لنظرية العرض والطالب؛ فطالما هناك مشكلات أسرية فستوجد وتزداد هذه المراكز مشيرة إلى أن بعضها له دوافع تجارية وبعضها لها دوافع خيرية حقيقية، مما يؤثر على نتائج وآثار تلك المراكز، كما أوضحت الدخيل أن استعداد الشباب الطالبين لتلك الاستشارات ومدى رغبتهم الحقيقية في حل تلك المشكلات أيضاً له تأثير على دور تلك المراكز. وطالبت الدخيل بإيجاد وزارة تعنى بشؤون الأسرة والطفل، لا سيما وأن لدينا وزارات تعنى ببعض الأمور الحياتية كالكهرباء والعمل وغيرها فمن باب أولى أن تكون الأسرة وهي نواة المجتمع لها وزارة خاصة تعنى بها وبقضاياها ومشكلاتها ابتداءً من بناء الأسرة مروراً بالمشكلات التي تقع حال تكوينها، وبناء الطفل وتقوية الأسر الضعيفة وغيرها من المشكلات التي يمكن أن تهدد الأسرة وتفككها.

التهيئة النفسية
وفي ذات السياق قال أستاذ الإرشاد النفسي بجامعة أم القرى الدكتور عبدالمنان ملا إن ظاهرة الطلاق أصبحت تحوز على اهتمام ومخاوف المجتمع، وهي بالفعل أصبحت ظاهرة وليست مجرد مشكلة، وكشف ملا أن الطلاق يكثر في المراحل العمرية الأولى من الزواج. وأرجع ملا السبب في ذلك إلى انعدام التهيئة النفسية لدى الزوجين للحياة الزوجية الجديدة، مؤكداً على أهمية البعد النفسي الذي يتضمن المحبة والمودة والتعاون والمرونة في التعامل وتقبل الآخر. وأشار ملا إلى أن مانعيشه من متغيرات العصر يختلف كثيراً عن العصور السابقة التي عشناها نحن وآباؤنا، وهذا ما يؤكد ضرورة التهيئة النفسية لدى الأجيال الجديدة. وأوضح ملا أن هناك أسباباً نفسية وراء الطلاق بين الزوجين أهمها سرعة الانفعال وعدم ضبط الدوافع الداخلية، والاندفاعية والأنانية وعدم مراعاة مصلحة الأسرة العامة ما ينتج عنه التعصب والتصلب في المواقف والآراء رغم أن الحياة الزوجية تحتاج إلى المرونة. كما أشار ملا إلى أن غياب مشاعر المودة والمحبة بين الزوجين من أسباب ظاهرة الطلاق كذلك خاصة إذا لم يتشبع بها منذ صغره في أحضان أسرته. وأكد ملا على دور الوالدين في تهيئة أبنائهم من الناحية النفسية للحياة الزوجية وشدد على ضرورة عدم تغليب الجوانب المادية على الجوانب العاطفية والشعورية خاصة لدى الاستعداد للزواج سواءً من قبل الزوجين أو من قبل الأسرة لأن ذلك هو العمود الفقري والأرض الصلبة التي تبنى عليها الحياة الزوجية واستمرارها، وشدد ملا على أهمية دور الوالدين والمؤسسات الأهلية والخيرية في هذه التهيئة. كما أكد على ضرورة وجود استراتيجية وطنية شاملة تشارك فيها بقية مؤسسات المجتمع الرسمية والمدنية، مشيراً إلى أهمية اشتراط التأهيل والتدريب في كل من يرغب في عقد الزواج والحصول على ما أسماه «دبلوم» إلزامي لا يقل عن أربعة أشهر تعقبها شهادة ووثيقة تدريب كما هو الأمر في اشتراط إجراءات الفحوص الطبية، كما أوضح ملا أن مثل هذا التأهيل لا بد أن يشتمل على الأبعاد الدينية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والطبية. وأشار ملا إلى أهمية توضيح وترسيخ الدافع الديني وما يكفله من حقوق للزوجين وتوعية الشباب بذلك.

دعم الجمعيات
من جانبه قال مدير جمعية الزواج بجدة سابقاً عبدالله أبو حسين إن الجمعيات الخيرية تجتهد في إلزام المستفيدين منها بحضور دورات التأهيل الأسري خاصة للشباب، ويضيف أبو حسين أن كثيراً من الشباب الذي يحضر هذه الدورات يشجع خطيبته على حضورها لما وجده من نفع وفائدة. ويوضح أبو حسين أن من أبرز انعكاسات هذه الدورات على الشباب أنها دربتهم على حسن التصرف مع المشاكل وعدم الانفعال والاندفاع غير المتزن، والقدرة على حل المشكلات بهدوء وتوازن. وأشار أبو حسين أن هناك دراسة محكمة أعدها مركز مودة أوضحت أن نسبة الطلاق تقل عن 5% عند من حضر هذه الدورات في حين أن أعلى نسب الطلاق تكون في السنتين الأوليتين، وفي الشهرين الأولين من هذه السنتين أيضاً حيث تصل نسب الطلاق إلى 30% في المجتمع. وكشف أبو حسين أن بعض المختصين والمتابعين لمشكلات الزوجين وحالات الطلاق في بعض المراكز الاستشارية يقولون إن معظم حالات المشكلات الزوجية التي تمر عليهم لم يأخذ أطرافها دورات تأهيلية في التوجيه الأسري. وأشار أبو حسين إلى الجهود التي تقوم بها جمعيات الزواج في حث الشباب المقبلين على الزواج إلى أخذ دورات تأهيلية ومشاركتهم في مختلف الفعاليات لتوصيل هذا التأهيل. مشيراً إلى قرب صدور قرارات رسمية بإلزامية الدورات التأهيلية قبل عقد النكاح لكن هناك مهلة زمنية للجمعيات لكي توسع من نشاطها في هذا الجانب وتعد الكوادر اللازمة حتى تصبح هذه الدورات متوفرة في جميع مدن المملكة. وأشار أبو حسين إلى عدة برامج تقوم بها الجمعيات بالإضافة إلى الدورا ت التأهيلية وأهمها الهاتف الاستشاري والذي يستقبل شكاوى ومشكلات الشباب والشابات المتزوجين والتي يمكن أن تمتص المشكلات وتحلها في بداياتها وتعالجها بطريقة إيجابية قبل أن تكبر وتستفحل في الأسرة، مشيراً إلى وجود مستشارين ومستشارات من الجنسين، موضحاً أن الإقبال على (الهاتف الاستشاري) شديد وكبير غير أنه ليس بالإمكان استيعاب كل الاتصالات الواردة الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من الدعم لمثل هذه البرامج، وأكد أبو حسين أننا لو صرفنا ودعمنا مثل هذه البرامج الوقائية لوفرنا كثيراً من الأموال التي تصرف على مشكلات الطلاق وما يترتب عليها. كما بين أبو حسين أن من ضمن البرامج الناجحة والمفيدة التي تقدمها جمعيات مساعدة الشباب على الزواج لجان إصلاح ذات البين والتي أصبح بعض القضاة يحيلون إليها قبل إيقاع أحكام الطلاق، مشيراً إلى أن كثيراً من القضايا التي تحال إلى تلك اللجان تحل ولا تعود إلى المحاكم مرة أخرى. وأضاف أبو حسين أن جمعيات الزواج دائماً ما تحث الخطباء على التطرق إلى مثل هذه القضايا وتذكير الناس بها وكيفية حل المشاكل الزوجية. ومن ضمن البرامج التي تقوم بها جمعيات الزواج كذلك الرسائل الهاتفية والتي تذكر الزوجين بأهمية الألفة والمودة بينهما، بالإضافة إلى برامج إعداد المصلحين وتأهيلهم عبر مناهج مدروسة ومحكمة ومحاولة الانتشار في الأحياء عبر المساجد أو مراكز الدعوة ومراكز الأحياء وغيرها. وأوضح أبو حسين أن الجمعيات تقوم بقدر استطاعتها بجهود كبيرة غير أن القضية كبيرة وتحتاج إلى جهود كبيرة ودعم متواصل حتى تطور الجمعيات أفكارها وتصل إلى جميع الناس.


 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال