دراسة: التسامح حاجة تاريخية وليس نتيجة تأمل فلسفي

غازي كشميم- جدة
الجمعة 13/06/2014

دراسة: التسامح “وئام” في سياق “الاختلاف”

قالت دراسة بحثية: إن التسامح من الناحية التاريخية واقع ثقافي دعت إليه الحاجة ولم يتوارد من جهة التأمل المعرفي المستقل، مضيفة: إنه نتج من ظروف ألحت على إيجاد حالة من التوافق والمشاركة التي تتيح للمختلف والمخالف بأن يبقى ويستمر في ظل ما يميزه، وأشارت الدراسة الصادرة من موقع (مؤمنون بلا حدود) إلى أن التسامح لم ينتج عن نظر فلسفي وفكري، وإنما دفعت الصراعات المذهبية والاثنية الموجودة داخل أوروبا الفلاسفة إلى أهمية خلق وعي متسامٍ على الوضع التاريخي آنئذ وفتح دروب أخرى في سياق تاريخ الفكر من جهة ومضمار الانتظام الاجتماعي وربما السياسي للتمكن من إحلال الاستقرار موضع الفوضى والصراع الملغي الذي لا يبقى ولا يذر لا المصارِع ولا المُصارَع.

النشأة والدواعي
ويشير كاتب الدراسة الباحث الحاج دواق إلى أن الفكر التاريخي النقدي يوصل إلى أن التسامح في الغرب بمعناه الحديث وقع اكتشافه تدريجيًا وانطلق مع القرن السادس عشر عبر حركية داخلية وأخرى خارجية وضعت الضمير الأوروبي أمام واقع أفرزته الحروب الدينية وأثبتت من خلاله وجود أطراف داخل المجتمعات الأوروبية لا تشاطر المعتقدات الدينية السائدة. وأوضح دواق أنه في ذات الفترة وإثر اكتشاف العالم الجديد (أمريكا) اتضح للأوروبيين وجود أعراق ولغات وثقافات لا عهد لهم بها. ثم ما عرف في القرن الثامن عشر بعصر الأنوار الذي تنامت معه مفاهيم جديدة مثل الحرية والتسامح والفصل بين السلطات. ويؤكد دواق أن مثل هذه السيرورة طورت قيمًا جديدة ومعاني كامنة وضعت لها مؤسسات ترسخت عبر القرون وهي ما تزال تنمو محدثة في كل طور تحولات نوعية تتطلب وعيًا مختلفًا عن شروط الوعي السابق. ويوضح دواق أنه لما انتشر الوعي المتصل بالغرب إلى أرجاء العالم جراء حركات التبشير والاستعمار أدى ذلك إلى دخول قاموسه الفكري وحمولته المفاهيمية واستعمالاته الاصطلاحية إلى البلدان المستعمرة فنتج شكل من الوعي منمط يكرر مشكلات الغرب التاريخية ويحيا تبعات ظروفه وان لم تدع فرديته الثقافية لتحمل تبعات أخطاء الغير ولا مشاركته في نجاحات لأنه يحمل تاريخًا آخر، ويشدد دواق على ضرورة إبراز حقيقة التسامح، وهل هي مقولة غربية بامتياز؟ أم إن هناك دلائل وعلامات تسامح يحملها الفكر العربي وإن لم يوسم به؟
ويشير دواق إلى فكرة التسامح لدى بعض فلاسفة الغرب مثل جون لوك وجاك روسو وغيرهما لكنه لم يشر إلى معنى التسامح في أي من أدبيات العرب الفلسفية أو الدينية، كما أنه لم يشر إلى آلية في أي من الأديان أو الثقافات الشرقية الأخرى.

معنى التسامح
وفي معاني التسامح أوضح دواق أن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، موضحًا أنه يتعزز بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، كما أن التسامح هو الوئام في سياق الاختلاف، ويؤكد دواق أن التسامح ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضًا، كما هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام ويسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب. ويضيف دواق أن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف ايجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميًا، ولا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية كما أن التسامح ممارسة ينبغي أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.
ويكشف دواق في بحثه أن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية بما في ذلك التعددية الثقافية والديمقراطية وحكم القانون، وهو ينطوي على نبذ الدوغماتية والاستبدادية ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. كما أنها لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، لذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها بل تعني كما يوضح دواق أن المرء حر في التمسك بمعتقداته، وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم، مشيرًا إلى أن التسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم لهم الحق في العيش بسلام وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهي تعني أيضًا أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير.


 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال