باحث: “الشراكة” خيار إستراتيجي بين المؤسسات الوقفية والقطاع الأهلي

عرض - غازي كشميم
الجمعة 06/06/2014




أصبحت الأوقاف ضرورة لا يستغني عنها أي مجتمع ينشد التطور والتقدم في كل مجالات الحياة، كما أن القطاع الأهلي هو اليد الثانية التي تساعد الحكومات في نهضتها والقيام بدورها في خدمة وتنمية المجتمع. ومن خلفهما يبرز القطاع الخيري والذي يسد -أو هكذا يفترض- خلل القطاعين الحكومي والخاص، كما أنه يرتق فتقهما بمشروعاته الخيرية والتنموية في المجتمع. وتبرز الأوقاف كأهم مصادر العمل الخيري، ومفتاح استدامته وتواصله.
من هذا المنطلق يتناول كمال المنصوري في بحثه (الشراكة كخيار استراتيجي بين مؤسسات العمل الأهلي والأوقاف)، طرح «الشراكة» كخيار استراتيجي يمكن تبنيه لأجل بناء علاقة بين مؤسسات العمل الأهلي والأوقاف، وذلك من خلال تحديد هوية الأوقاف وطبيعتها، ثم تتبع تطور علاقة المؤسسات الأهلية بقطاع الأوقاف، وكذلك فحص علاقة الدولة بمؤسسات القطاع الأهلي، على اعتبار أن الأوقاف تقع تحت وصاية الدولة، ثم النظر في إمكانية تبني خيار الشراكة، من خلال الاستناد إلى مبررات موضوعية تتعلق بهوية المؤسسة ورسالتها في المجتمع وأهدافها الاستراتيجية وما يطرحه المحيط الخارجي من فرص وتهديدات، إضافة إلى نقاط القوة ونقاط الضعف التي تتوفر لدى كل من مؤسسات الأوقاف ومؤسسات العمل الأهلي، ويطرح الباحث في نهاية بحثه نموذجا يمكن الاسترشاد به عند بناء شراكة وقفية أهلية فعالة.
ينطلق المنصوري في بحثه من تساؤل محوري حول إمكانية أن ﺗﻜﻮن اﻟﺸﺮاكة ﺑﻴﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮي واﻟﺘﻄﻮﻋﻲ وﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻮﻗﻒ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﻣﺘﺎﺣﺔ وﻣﻤﻜﻨﺔ ﻟﺘﻌﻈﻴﻢ اﻟﻤﺮدود الاقتصادي والإﺳﻬﺎم الاجتماعي ﻟﻠﻘﻄﺎع اﻷهلي ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ؟
وﻣﺎ هو ﻧﻤﻮذج اﻟﺸﺮاكة اﻟﻔﻌﺎل واﻟﺬي ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻃﺮﺣﻪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أهداف اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﻮﻗﻒ وﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻞ اﻷهلي.
فرضية البحث
ﻳﻘﻮم اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺟﻮهرية ﻣﻔﺎدها أن اﻟﺸﺮاكة ﺑﻴﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻷوﻗﺎف وﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮي واﻟﺘﻄﻮﻋﻲ ﺗﻤﺜﻞ أﺣﺪ اﻟﺨﻴﺎرات الاﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ واﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻟﺪﻋﻢ وﺗﻔﻌﻴﻞ اﻹﺳﻬﺎم الاقتصادي والاجتماعي ﻟﻠﻘﻄﺎع اﻟﺨﻴﺮي الأهلي ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ. كما قامت منهجية البحث على ﺘﺤﻠﻴﻞ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻤﻮﺿﻮع وﺣﻞ الإشكال اﻟﻤﻄﺮوح من خلال تحليل عناصره؛ وهي: ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻷوﻗﺎف ﻤﻀﻤﻮنها اﻟﻤﺪﻧﻲ وهويتها اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ واﻟﻨﺸﺎط اﻟﺨﻴﺮي اﻟﺘﻨﻤﻮي الذي تقوم به. ثم ﺗﻄﻮر علاقة اﻷوﻗﺎف ﺑﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮي واﻟﺘﻄﻮﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وﺛﺎﻟﺜﺎً: ﺑﻨﺎء الشراكة ﺑﻴﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻷوﻗﺎف وﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮي اﻷهلي. وأخيرًا؛ ﺨﺼﺎﺋﺺ ﻧﻤﻮذج اﻟﺸﺮاكة اﻟﻮﻗﻔﻴﺔ الأهلية اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ.
ويشير المنصوري إلى أن اﻟﺘﻌﺎون يكون أﻗﻮى وأﻣﺘﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت وﻣﻨﻈﻤﺎت اﻟﻘﻄﺎع اﻷهلي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﻮم هذه اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﺑﺴﺪ اﻟﻔﺠﻮات اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ أداء اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ، أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻬﺪ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﺑﺘﻨﻔﻴﺬ ﺑﺮاﻣﺞ وﻣﺸﺮوﻋﺎت ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ، ﻟﻜﻦ العلاقة ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺗﺴﻮء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺸﻌر اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن أﻧﺸﻄﺘﻬﺎ ﺗﻮاﺟﻪ ﺗﻬﺪﻳﺪًا ﺳﻴﺎﺳﻴًﺎ أو ﺗﺤﺪﻳًﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ أﻧﺸﻄﺔ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت الأهلية.
ويؤكد المنصوري أن اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺨﻴﺮي واﻟﻮﻗﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ هو ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﺨﻴﺮ الاجتماعي، وإن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ العربية ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻬﻪ واﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻴﻪ هو ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻟﻤﺠﺮى اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻤﺘﺪﻓﻖ. مشيرًا إلى أن اﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻷهلي واﻟﻨﺸﺎط اﻟﻮﻗﻔﻲ هو اﻟﺤﺮﻳﺔ والاستقلالية اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﻹرادة اﻟﺤﺮة ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻷهلي، إﻻ أن وﺟﻮد اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ كطرف دﺧﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮي واﻟﺘﻄﻮﻋﻲ وﻣﻬﻴﻤﻦ وﻓﺎﻋﻞ ﻓﻴﻬﺎ، أﺛﺮ ﻓﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ العلاقة ﺑﻴﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﻴﺮي واﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، وﺑﻴﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻞ الأهلي واﻟﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى.

شراكة شعبية
وتشير نتائج الدراسة والتي نشرها مركز مداد المتخصص في العمل الخيري إلى أن ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻷوﻗﺎف مؤسسة ﻣﺪﻧﻴﺔ ﺧﻴﺮﻳﺔ ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ذات هوية ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ، كما أنها إﻃﺎر ﻣﺆﺳﺴﻲ ﻟﻺﺳﻬﺎم الأهلي ﻓﻲ ﺟﻬﻮد اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ، ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﻘﻄﺎع اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮي واﻟﺘﻄﻮﻋﻲ، وﺗﻤﺎرس ﻧﺸﺎﻃًﺎ ﺧﻴﺮﻳًﺎ وﺗﻄﻮﻋﻴًﺎ بالأساس هدفه ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم، باتجاه ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ. كما خلصت الدراسة إلى أن المشاركة ﻻ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺧﻴﺎر اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ لأن وﺣﺪة اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻮﻗﻔﻴﺔ واﻟﻤﺆﺳﺴﺔ الأهلية ووﺣﺪة اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ تنشدها اﻟﻤﺆﺳﺴﺘﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﻴﺮ، وكذلك ﺗﻘﺎﻃﻊ الأهداف الاستراتيجية ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺘﻴﻦ، وﻣﺎ ﺗﻤﻠﻜانه من إمكانيات ﻣﺎدﻳﺔ وﺑﺸﺮﻳﺔ، وﻣﺎ ﻳﺘﻴﺤﻪ اﻟﻤﺤﻴﻂ الاقتصادي والاجتماعي ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻓﺮص، ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ الشراكة ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺘﻴﻦ ﺧﻴﺎرًا اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴًﺎ وﻣﻄﻠﺒًﺎ ﺣﻴﻮﻳًﺎ ﻟﺘﺠﺴﻴﺪ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺨﻴﺮ، وﺗﻌﻈﻴﻢ اﻟﻌﺎﺋﺪ الاقتصادي واﻟﻤﺮدود الاجتماعي ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻟﺨﻴﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
ويقترح الباحث نموذج شراكة فعالة يتميز بالأدائية؛ أي شراكة اﻷداء واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ لا شراكة اﻟﻨﻮاﻳﺎ الطيبة، كما تتميز الشراكة بالرسالية أي: اﻟﺒﺪء ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﻤل الاجتماعي. كما أنها شراكة ﺟﺎرﻳﺔ يكون فيها اﻟﺘﻮازن ﺑﻴﻦ ﺣﻔﻆ اﻷﺻﻮل اﻟﻮﻗﻔﻴﺔ وﺗﻮﻟﻴﺪ اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت، وتتسم بالتوازن والتعاضد، والتكامل، والتعاقد والتعاون.
ويضيف المنصوري أن من أبرز ما تتصف به الشراكة بين مؤسسات الوقف والقطاع الأهلي أنها شراكة تفاعلية تمكن للمشاركة الشعبية وتفعلها، كما أنها تهتم بتميز المشروعات وجودتها في الخدمات والمنافع.


 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال