بعد أن فقد بريقه وخفت الصراع حوله..الأدب الإسلامي.. إلى أين؟!

استطلاع - غازي كشميم
الجمعة 06/06/2014

الأدب الإسلامي.. إلى أين؟!

«الأدب الإسلامي» مفردة اختلف حولها النقاد والأدباء؛ ففي حين دافع عنها فريق من منطلق صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وقدرة الفكر الإسلامي على صبغ كل مناحي الحياة بما يتوافق مع قيمه وأخلاقياته، يرد فريق بأن الأدب هو منتج مشاع لا يعتمد على الفكر والأيديولوجيا بقدر ما يعتمد على اللغة وجمالياتها، لذلك فهو عالمي وإنساني ولا ينحصر في فكرة دون أخرى. فأين وصل ما يطلق عليه «الأدب الإسلامي»؟ وهل خفت بريقه مع خفوت بريق الصراعات الأيديولوجية؟ وهل يمتلك مقومات وقواعد يمكن أن يقف عليها؟ (الرسالة) ناقشت موضوع (الأدب الإسلامي) مع بعض المتخصصين في ثنايا الاستطلاع التالي:

قال أستاذ الأدب في كلية الشريعة بالأحساء الدكتور خالد الحليبي: إن من الطبيعي حين يفتقد شيء يسأل عنه أو يبتكر ويدعى له، ومن هذا المنطلق فخفوت الدعوة إلى الأدب الإسلامي بسبب ما وصل إليه من حالة الاستقرار وما تكون له من رموز أدبية وإنتاجات إبداعية، كما أصبح للأدب الإسلامي رابطة عالمية مقرها الرياض ولها فروع في أنحاء العالم الإسلامي. وأضاف الحليبي أن على الأدباء الإسلاميين أن ينتقلوا تمامًا من مربع الدفاع عن الأدب الإسلامي ومحاولة الدعوة إليه إلى مربع الإنتاج الذي يحتاج إلى مزيد من النماذج الرفيعة التي تدعو إلى إطار الأدب الإسلامي بالنموذج أكثر من الدعوة إليه بالمصطلح. ويرى الحليبي أن ملامح الأدب الإسلامي ومقوماته اكتملت وأصبح لدينا أسماء بارزة في هذا المجال، غير أننا بحاجة إلى وجود نماذج عليا كما هو الحال عند بعض المدارس الأخرى كالواقعية الاشتراكية أو الحداثة أو الرمزية، وأشار الحليبي إلى أن الأدب الإسلامي بحاجة إلى مزيد من الإنتاج في بعض الجوانب كأدب الطفل الذي هو بحاجة إلى إنتاج إبداعي أكثر من الإنتاج النقدي. وأكد الحليبي على ضرورة انتقال الأدب الإسلامي إلى مرحلة التعايش مع الحياة من حولهم وينتجون لهم سواءً على مستوى الأطفال أو الرواية التي تقدم للفتيان والفتيات أو الرواية الإبداعية التي ليس لها حدود جغرافية. وعن الإنتاج الإسلامي في الجانب الروائي قال الحليبي إن الأدباء الإسلاميين لم ينتجوا في بداية الأمر أعمالا روائية، وكانت الأسماء محدودة جدًا في هذا المجال، وعزا الحليبي ذلك إلى عدم اهتمامهم وطغيان الاهتمام بالإبداع الشعري، مشيرًا إلى أن هناك أسماء بدأت تبرز على الساحة غير أنها لا تزال في بداية مشوارها، كما أن بعض الروائيين يكتفي برواية أو روايتين ثم ينقطع وهذه السلبية موجودة حتى عند بعض الروائيين الإسلاميين، إذ إن الروائي حتى يعرف بأنه روائي لا بد له من إنتاج غزير في الرواية كما هو الحال عند نجيب محفوظ مثلًا. ورد الحليبي على الاعتراض الموجه للأدب الإسلامي والذي يعتبر أن مفهوم الأدب مرتبط باللغة والجمال والتعبير أكثر من انحيازه للفكر والأيديولوجيا والدين رد الحليبي بأن هذا الاعتراض لم يوجه للمدارس الأخرى مثل الواقعية الاشتراكية وأدب الحداثة وأدب ما بعد الحداثة وهذه كلها مدارس فكرية وأيديولوجية، وتساءل الحليبي لماذا توجه هذا الانتقادات فقط إلى الأدب الإسلامي ولم توجه إلى تلك المدارس حين نشأت؟! وأوضح الحليبي أن الأديب ليس من صالحه أن يؤطر في عنوان محدد كأن يقال عن الأديب المبدع «الأديب الإسلامي» لأنه بهذا ينحاز إلى جانب واحد من الجوانب الإبداعية -مع سعته- لكنه لم يدخل نفسه في الأدب العالمي أو الأدب الإنساني أو الأدب الوطني، وإنما أديب مبدع له نزعة إسلامية واتجاه إسلامي كما كان لأحمد شوقي اتجاه إسلامي أيضًا، وأشار الحليبي إلى أن تعريف الإسلامي كما يرونه الأدباء الإسلاميون هو «الأديب الذي لا يخرج إنتاجه عن أطر الإسلام، وهو الذي ينتج في مناحي الحياة المختلفة بحيث لا تعارض الإسلام»، وفرق الحليبي بين هذا التعريف والتعريف الذي يقصر الأديب الإسلامي على خدمة الدين الإسلامي. وأوضح الحليبي أن الأديب الإسلامي ينبغي له أن يكون إنتاجه غير معارض لدينه وأيضًا يخدم دينه، مضيفًا أن وصف الأديب الإسلامي لا يتعارض مع تصنيفات أخرى مثل الأديب الإنساني عمر بهاء الدين الأميري أو الأديب العالمي محمد إقبال، وبين الحليبي أننا يمكن أن نطلق على بعض الشعراء وصف (الشاعر الوطني) لأنه خدم وطنه في بعض القصائد بالإضافة إلى إنتاجه في خدمة الإسلام الأمر الذي يمكن أن يطلق عليه (الشاعر الإسلامي).
مصطلح تلاشى
وفي ذات السياق قال رئيس نادي جدة الأدبي الدكتور عبدالله السلمي ان «الأدب الإسلامي» هي قضية تجاذبية لفظية أكثر من أن يكون لها حقيقة في الممارسة الواقعية، وأوضح السلمي أنه بالنظر إلى الأدب من خلال منتجه فيمكن أن يكون هذا التصنيف، لكن الأصل أن ينظر إلى الأدب من خلال مضامينه وما يحمله من قيم فإن كان يحمل قيما تستجيب للطرح الإسلامي فهو إسلامي أيًا كان مبدعه سواء كان مسلمًا أم غير مسلم، وإن كان لا يستجيب للقيم الإسلامية فهو خارج هذا الإطار حتى لو كان منتجه مسلمًا، ويؤكد السلمي أن مدار الفكرة هو المضمون الإبداعي وليس المبدع، مشيرًا إلى أن الخلل الذي حصل هو في النظرة التصنيفية المجردة من خلال الشخصيات المنتجة وليس من خلال المنتج الإبداعي، وهذا تصنيف غير دقيق كما يراه السلمي، خاصة أن المرحلة التي ظهر فيها هذا التصنيف كان من خلال المنتج الشعري فقط بينما الآن ظهرت أنواع من الإبداع الأدبي كانت في السابق شحيحة، وبالتالي فإن المحدد الذي وضع على أساسه هذا المصطلح لم يعد قائمًا الآن ويصعب ملاحقته مع ظهور وانتشار الأشكال الإبداعية الأخرى. ورد السلمي على من يقول بأن الأدب الإسلامي يدافع عن قضايا الإسلام والمسلمين بأنه يمكن أن يوجد من يدافع عن قضاياها حتى من غير المسلمين، مشيرًا إلى أن القضية هي قضية قيم إنسانية مشتركة وليست قضية ديانة فقط. وأكد السلمي أن مصطلح (الأدب الإسلامي) بدأ يتلاشى ويذوب تدريجيًا كما تلاشت كثير من المحددات مثل أدب الحداثة أو الأدب الواقعي وغيرها من المسميات، موضحًا أن مثل هذه التيارات ظهرت في مراحل سابقة خاصة مع بروز ما يسمى (الصحوة) التي أظهرت الأدب الإسلامي وما يقابله من المسميات الأخرى وعندما خفت صوت الصحوة خفت معه باقي المسميات.

تجاوز التنظير
من جانبه لا يرى الناقد والأديب الدكتور أحمد البهكلي أن خفوت الدعوة إلى الأدب الإسلامي يعني أنه تلاشى هذا الأدب، مؤكدًا أن ذلك يدل على أن الأدب الإسلامي تجاوز مرحلة التنظير إلى التطبيق والإنتاج. ويشير البهكلي إلى أن الاتجاه الإسلامي في الأدب كغيره من الاتجاهات يحمل رسالة تنطلق من القناعات الفكرية لكتابه وشعرائه، أما اللغة والجمال والصورة فهي أسس الأدب أيا كانت مرجعيته الفكرية. ويؤكد البهكلي على أن الأدباء الإسلاميين لديهم نتاجات جميلة ونماذج رائعة في كل الأنواع الأدبية بكل اللغات. مضيفًا أن نتاجات الاتجاه الإسلامي في الأدب تنتظم من خلال قيم البناء والالتزام وفق الرؤية الإسلامية للكون والحياة والحرية والجمال والدفاع عن الحق والعدل. شريطة الاحتفاء باللغة والتصوير الفني وتوظيف الرمز.



 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال