يجب مواجهة «الفكر المتطرف» بالحلول العملية وليس بتبرئة الذات

غازي كشميم - جدة
الجمعة 05/09/2014
يجب مواجهة «الفكر المتطرف» بالحلول العملية وليس بتبرئة الذات


بينما تكثر بيانات الإدانة والاستنكار على الفكر المتطرف والغالي فإنه ما يزال ينشط ويظهر بقوة في بعض الدول العربية بصورة وحشية ومبالغة في التوحش، فلماذا لا زال هذا الفكر يلقى قبولًا لدى بعض الشباب المسلم ؟ وكيف يمكن أن تتم المعالجة بصورة شاملة ومتكاملة ؟ وهل يمكن الانتقال من بيانات الإدانة والاستنكار القولي إلى سياسات عملية وواقعية متكاملة ؟ وما دور الخطاب الديني والعلماء على رأسه في هذه القضية ؟ أسئلة طرحناها على عدد من المختصين والمراقبين من خلال التحقيق التالي:

في البداية قال الأستاذ المشارك بكلية الشريعة في جامعة الطائف الدكتور جميل اللويحق: إن التطرف مشروع فكري من حيث الأصل له منطلقات وبواعث هي التي حركته وأخذت به إلى هذه الزاوية ووفرت له الغطاء الأخلاقي والنفسي الذي يسمح له ولو من وجهة نظره هو فقط لممارسة مقتضيات موقفه أيا كان حجمها أو شناعتها، وأضاف اللويحق أنه من هذه الزاوية تحديدًا يمكن الولوج لمعالجة هذه الظاهرة وإعادة تأهيل المتأثرين بها، كما أن الأجواء العامة التي لا يخالف أحد في سوئها قد ساعدت في توفير البيئة الحاضنة للتطرف والمبررة لوجوده، مؤكدًا أنه إذا أخذنا هذين العاملين في الحسبان وهما من أهم العوامل المؤثرة في النظر للسلوك العلاجي لظاهرة التطرف فسنكون حينها على الخط المؤثر فعلًا في تقديم العلاج الناجع، وأشار اللويحق إلى أن المعالجة الأساسية هي في مناقشة وتوضيح خطأ المنطلقات الفكرية للتطرف بكل صدق وموضوعية وأدب علمي مع طول نفس في ذلك ودقة في تناول كل التفاصيل مع الإقرار بما قد يكون حقًا في رؤية الطرف الآخر وعدم تزييف الواقع، والتركيز دائمًا على خطر ترتيب الأحكام الشرعية على الأفعال المجردة سواءً كان ذلك في التكفير أو غيره، لأن من أخطر المآزق التي وقع فيها تيار التطرف المعاصر هو الإسقاط المباشر للأحكام على ظواهر الأفعال وعدم استكمال جوانب النظر الأخرى المؤثرة في الحكم، وهذه القضية تحتاج إلى تفصيل أكثر، وبخصوص العامل الآخر وهو البيئة الدافعة للتطرف فقد أكد اللويحق أنها معضلة أخرى تستدعي فعلًا المبادرة ما أمكن إلى تصحيح الأوضاع الخاطئة متى وجدت، وإظهار ذلك، والسعي دائمًا للتوافق التام مع مرجعية الإسلام وفق نظر علمائه المعتبرين وذلك قياما بالواجب الشرعي من حيث الأصل وقطعًا للطريق على دعاة الغلو والتطرف.
وأوضح اللويحق أن الفئة الأقدر على مواجهة هذا الفكر هي تلك التي تأتي من داخل التيار الإسلامي المعتدل، والتي ساهم التطرف الليبرالي في إبعادها عن التأثير حين جعلها بخطابه المتكرر والممنهج ضمن فئة الغلو في نظر المجتمع العادي واستعدأ عليها الأنظمة بذات الحجة، وهي من المفارقات العجيبة فعلًا على حد قول اللويحق، وعن دور الخطاب الديني حاليًا فأكد اللويحق أنه مطالب بدور أكثر قوة ووضوحًا في مواجهة مشكلة التطرف والغلو التي ستعصف أن تنامت بالجميع، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هذا الخطاب لم يكن مسؤولاً عن وجود هذه الحالة أصلًا إلا بقدر لا يذكر إذا ما قورن بالعوامل الأخرى المتعلقة بالمواقف الليبرالية والظروف السياسية وحالات الفساد العامة التي استشرت في جسد الأمة.
السياسة الدولية
وقال أستاذ أصول التربية الإسلامية وفلسفتها بكلية التربية في جامعة صنعاء الدكتور أحمد الدغشي: إنه يمكن مواجهة التطرف والتكفير بدراسة الأسباب أو الدوافع الموضوعية بمنهج علمي وحس تربوي واعتراف بالحقائق المرة التي تكابر فيها بعض الأطراف الدولية والإقليمية، خاصة على مستوى السياسة الخارجية بالنسبة للقوى الدولية، حين تتدخل في سيادة غيرها وتفرض فلسفاتها عبر سياساتها الخارجية فكريًا واجتماعيًا وتربويًا وثقافيًا وأخلاقيًا واقتصاديًا وسياسيًا، أو حين تتعرض سيادة تلك الدول للمؤامرات وإذكاء الصراعات الإقليمية أو الداخلية بتغذية منها، وذلك بدعمها لطرف على حساب آخر، وأحيانا لأطراف متشاكسة بغية بقاء نفوذها وهيمنتها والاحتياج إليها لدى الجميع، وأكد الدغشي أن مثل هذه السياسات تؤدي إلى النقمة على الداخل أكثر من الخارج، وخاصة حين يكتشف الناشئة والشباب وسواهم ومن يوصفون بالغلاة والمتطرفين وربما التكفيريين -وهم في الأساس ضحية مثل هذه التدخلات بالدرجة الأساس- حين يكتشفون ارتباط كل ذلك بأجندة خارجية، وذلك يعني لديهم الولاء لغير المسلمين، وقد تربوا على أن ذلك من نواقض الإسلام والدين، وأشار الدغشي إلى أن ما ذكره توصيفا موضوعيا لواقع مرّ، وليس تبريرًا للغلو والتكفير، لأن الاستمرار في مغالطة الذات بنفي كل هذا والاكتفاء بالإدانة وتبرئة الذات من شأنه أن يسهم في بقاء المشكلة واستمرارها على نحو أكثر حدّة، كما أشار الدغشي إلى أبرز الأسباب الداخلية لهذه الظاهرة وهي الأسباب الفكرية والتربوية الهشة، وضعف التفاعل مع مثل هذه المشكلات برؤية نفسية تربوية علمية تجاه شريحة الشباب واحتياجاتهم، وتلبية آمالهم المشروعة، وطموحاتهم الممكنة، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية البئيسة، وحالة القضاء والعدالة المتخمة في معظمها بأحوال الظلم والفساد والمحسوبية والاعتماد على العلاقات الشللية والعصبوية المقيتة، وغيرها من الأوضاع السياسية المضطربة، أو القهر وتكميم الأفواه في بعض البلدان العربية، ومصادرة حق الشعوب في المشاركة في صناعة قرارها، مضيفًا على ذلك سياسة القبضة الأمنية الحديدية التي تسلكها بعض الأنظمة السياسية المهترئة بعناوين شتى، خاصة إذا توجت بخطاب (ديني) يمنح كل هذه المسالك المشروعية الأمر الذي يؤدي حتمًا إلى العنف والتطرف المضاد، وأوضح الدغشي أن أخطر ما في العملية هو تغطية كل أسباب الغلو والتكفير والعنف بـ»ديكور» ديني يضفي المشروعية عليها، وهنا يصبح الحل في تحرير الخطاب الديني من «التسييس» بأي صورة من الصور، وبين الدغشي أن ذلك لا يعني تخلي أي مجموعة عن السياسة بوصفها شأنًا حياتيًا يوميًا، مبينًا أن هناك فرقًا بين السياسة بوصفها علمًا شرعيًا وإنسانيًا واجتماعيًا (محترما) وبين (التسييس) بوصفه صفة سلبية تعني (تجيير) (الدين) لمصلحة جهة ما، ليبقى ذلك الخطاب حرًا أصيلًا بانيًا مربيًا بعيدًا عن الحسابات الخاصة والمصالح الضيقة لأي طرف، وأضاف الدغشي أنه على المنشغلين بالشأن العام إقامة مؤسسات (وقفية مستقلة) تعمل على تبني المؤسسات العلمية والإرشادية والتربوية والعاملين فيها، من حيث تمويلهم في حياتهم ومعاشهم، حتى لا يبقى أصحابها رهنًا لسياسات تلك الأطر الخاصة، بمسمياتها المختلفة.



 

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال